الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "بنت القمرة": عندما ينبثق من وسط الـظــلام .. شعاع من الأمل

نشر في  07 نوفمبر 2018  (15:03)

مع بزوغ شمس كل يوم جديد تدب الحياة على وجه البسيطة، وتشرق القلوب والأرواح، لكن وفي المقابل هناك من يختبئ من موت محقق لو جسده لامس أشعتها، ويتحول هذا القرص المتوهّج من مصدر حياة الى عدو شرس ووحش قاتل، هم ليسوا بمصاصي دماء كما في الأفلام الخيالية أو خفافيش ظلام، هم أطفال وشباب في عمر الزهور لا ذنب لهم سوى أنهم "أطفال قمر"، لا يسمح لهم بمغادرة الجدران الكئيبة وسجنهم الاضطراري الا بعد غروب الشمس ان أرادوا البقاء على قيد الحياة.. فئة لا يشكل الظلام مصدر رعب بالنسبة لهم لأنه المتنفس الوحيد للخروج ومعانقة الطبيعة بلا خوف تحت ضوء القمر.

"لا نكره الشمس، لكننا نتجنبها" هكذا تحدثت آية ولمياء وسهام وروت كل واحدة منهن في 62 دقيقة معاناتها من مرض ينهش جسدها النحيل والمنهك، 3 فتيات يتقاسمن نفس الألم لكن بكثير من الارادة ويواجهن قسوة الحياة بابتسامة قد تخرجهن من عتمة حياتهن المظلمة .

يوم الاثنين 5 نوفمبر، امتزجت مشاعر عشاق الفن السابع بقاعة الـ ABC وسط العاصمة بين الفرح والحزن بين الضحك والبكاء، مشاعر متناقضة دغدغتها المخرجة "هبة الذوادي" في شريطها السينمائي "بنت القمرة" الذي عرض في اطار فعاليات الدورة 29 لأيام قرطاج السينمائية .

"بنت القمرة" شريط روت فيه هبة الذوادي الحياة اليومية والتحديات التي يواجهها الأطفال المصابون بما يعرف باسم " Xeroderma Pigmentosum  " المعروف أيضا باسم " أطفال القمر "، وبواسطة الكاميرا نقلت المخرجة بدقة شديدة الحياة اليومية ل3 فتيات تعاني كل واحدة منهن من هذا المرض وسلطت الضوء على الصعوبات والعراقيل التي تعترض هذه  الفئة المهمّشة من خلال شهادات صادمة  .

ومن بين 1000 طفل يعاني من هذا المرض في بلادنا، أزاحت هبة الذوادي الستار عن يوميات لمياء وآية وسهام .

بصيص أمل يضيء عتمة حياة

آية طفلة لا تداعب خيوط الشمس الا من خلال بعض الرسومات التي تلونها أناملها الصغيرة، في الأثناء يسيطر على ذهنها سؤال واحد وهو لماذا لا تستطيع أن تعيش حياة طبيعية كغيرها من الأطفال، آية تقول أنها لا تكره الشمس لكنها مضطرة للابتعاد عنها حتى لا تنتشر البقع السوداء على جسدها وتتطور حالاتها، وبكثير من التلقائية تنقل لنا كاميرا هبة الذوادي الحياة اليومية لآية بين مدرستها وأصدقائها ووالدتها التي تمدحها باستمرار وتؤكد لها أنها فتاة جميلة، ولئن لم تتحكم الطفلة آية في دموعها التي انهمرت وهي تتحدث عن رغبتها في حياة لا أقنعة واقية فيها فانها بثت فينا يقينا بأن من يمتلك قوتها لا يمكن أن تهزمه اشعة الشمس.

ومن براءة آية الطفلة التي تؤمن أن الله سيستجيب لدعواتها، حتى وان انقطعت عن صلاتها، الى شجاعة سهام التي لم تعر انتقادات المجتمع أدنى أهمية ولم تؤثر فيها نظراته القاسية هي من آمنت بذاتها وتحدت كل من قال "سهام مريضة ما تنجمش تقرى" وهي من أمضت يوما بأكمله تحت أشعة الشمس وتحدت عدوتها في الحياة واليوم بين عملها ولوحاتها وجدران غرفتها تتنقل سهام مؤكدة أنها لا تختلف عن غيرها وأنها فتاة طبيعية رغم ذلك القناع الذي يشبه الى حدّ بعيد أقنعة رواد الفضاء وقفازاتها التي تلازمها .

لمياء .. الحياة

أما لمياء فقصتها وان لا تختلف كثيرا عن قصة آية وسهام فان لها وقع مختلف، هي الفتاة الصلبة أحيانا والهشة أخرى هي الفتاة المقبلة على الحياة بتفوقها في دراستها وتعلمها للرقص وهي الأنثى الرافضة لكونها لن تصبح يوما حبيبة وزوجة وأما، وبين ابتسامتها وفرحها بوصولها ال25 ربيعا وأن حياتها لم تنته بعد كغيرها من أطفال القمر ودموعها وهي تتذكر جملة نطق بها حبيبها "انت ماكش متاع عرس"، هزت لمياء مشاعر كل من حضر الفيلم لأنها ببساطة وجه جميل بعث وسط واقع قبيح .

"بنت القمرة" فيلم عملت عليه المخرجة طيلة  6 سنوات بدعم من المنتجة ندى مازني حفيظ، ليرى أخيرا النور علّه يحسّس الرأي العام والحكومة بهذا الوضع الذي يعيشه أطفال تونسيون من أجل تطوير البحث العلمي والطبي والتكفّل بهذا المرض من قبل الدولة وأيضا تحسين الهياكل الملائمة لأطفال القمر.

ولئن لن يشارك هذا الوثائقي ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية، فانه فاز حتما باعجاب الجمهور الذي غادر القاعة يومها وحال نفسه يقول "طوبى لهؤلاء الأطفال وطوبى لقوتهم وبسالتهم" .

هم "قمريون"، تبدأ حياتهم بعد أن تسدل الشمس أشعتها، لكن داخلهم توجد ارادة قوية من شأنها أن تهزم كل الظلام المحيط بهم .

 سناء الماجري